أيهم الشيخ
تنحدر “هدى أحمد العبسي” من قرية “نحلة” بريف إدلب “جبل الزاوية”، وهي دكتورة سورية وأكاديمية كانت لها بصمتها في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد منذ 12 عاماً.
لم تكتف (العبسي) بدراستها لكي تصبح موظفة عادية أو ربة منزل فحسب، بل كانت مثالاً للمرأة السورية التي تقاوم ظروف الحرب وتمنح الأمل لطلابها الجامعيين وتكون مصدر إلهام لهم.
حصلت (العبسي) على إجازة في التاريخ من جامعة حلب عام 2000، ثم نجحت بمسابقة المعيدية باختصاص التاريخ الإسلامي(العصر العباسي).
وفضلت (العبسي) الإيفاد الداخلي لأنها لا تستطيع البعد عن سورية، كذلك حصلت على درجة الماجستير 2006 والدكتوراه 2009.
“هيومن نيوز” التقى الدكتورة “هدى العبسي”، حيث قالت: “إن من أكثر الصعوبات التي واجهتني بمرحلة الدراسات العليا هي عنصرية بعض ممن كان يدرسنا وتلقين معلومات خاطئة تؤيد مذهب المدرس، ثم الانتظار ستة أشهر حتى يستطيع مشرفي د.سهيل زكار من الإشراف، فلا يوجد لديه شاغر ضمن العدد المحدد من الجامعة للاشراف، فانتظر حتى ناقش طالب عنده، مع العلم أنني تواصلت مع دكاترة القسم لكنهم رفضوا لأن د.سهيل يريد الإشراف على كتابة رسالتي”.
وأضافت: “أشرف علي في الماجستير والدكتوراه فكان نعم الأب والمعلم والمشرف، فتح لي مكتبته لأستعير ما أريد من الكتب”.
وأشارت في حديثها: “أخذت الدكتوراه وباشرت باليوم التالي التدريس بجامعة حلب، ثم درّست بجامعة ادلب وجامعة أيبلا الخاصة، كانت أيام جميلة أن تحاول التغيير من خلال محاضراتك وعلاقتك مع الطلاب وتزرع حب الوطن في قلوبهم”.
وتابعت الدكتورة: “استمر الحال حتى قيام الثورة في تونس ثم في مصر، كنا ننتظر مجيء الدور الى سورية وبالفعل حدثت المعجزة وبدأت في درعا على يد طلاب صغار كتبوا على حيطان المدارس، هذا أغاظ النظام الإرهابي فتوحش في معاقبة الاطفال، لتنتقل الثورة إلى كل مكان، وانضمت مدينة حلب العظيمة إلى الثورة بقوة خلال الأشهر الأولى من العام 2012”.

وأضافت: “انخرطت جامعة الثورة حلب وانطلقت من كلية الآداب، وعمت المظاهرات ارجاء الجامعة، كان طلابي يخبروني بموعدها مسبقاً من شدة خوفهم علي، وكان من أكثر طلابي نشاطاً في تنظيم الثورة وإسعاف المتظاهرين سمر الصالح، طالبة سنة رابعة آثار، كنت ادرسهم إثار اسلامية، كانت من اللاذقية ولها اخت اعتقلها النظام وهي بقيت بحلب، اعتقلتها داعش مع الأسف واختفت بالاتارب”.
ولفتت في حديثها: “حقيقة كانت من أجمل الايام التي قضيتها في جامعة حلب، كان الطلاب ينقلوا ما يحدث بالمظاهرات من توحش النظام في معاقبة الطلبة، وأكثر مابقي بالذاكرة قصة المدينة الجامعية عندما أساء احد الطلاب المؤيدين لعصابة الأسد إلى فتاة من ادلب فدافع عنها شاب من درعا، وعلقت بين المؤيدين والطلاب الأحرار الثائرين فجيء بالأمن لاعتقال الطلاب، فصارت الطالبات ترميهم بكل شي موجود عندهم من مضاربين مونة، كانت ملحمة حقيقة”.
وتضيف (العبسي) حول تجربتها الجامعية: “بعدها أفرغ النظام المدينة الجامعية من الطلاب وبدأ عدد الطلاب في تناقص، كنت اسكن في كفر حمرة منذ ٢٠١١، وعشت طعم التحرر من الإرهاب الأسدي، كنت أنزل يومين إلى الجامعة حتى أصبح عدد الطلاب قليل”.
وأكملت (العبسي): “احتل النظام الجامعة وأبعد عنها الاحرار، شعرت أنه لم يبق لي مكانا في هذه الجامعة، وقررت ترك العمل كان هذا في بداية ٢٠١٤، لكن الله قدر أن أحمل وبتوأم وكانت دكتورتي الخاصة مقيمة بحلب، فسكنت بحلب المدينة مع أولادي فترة الحمل دون زوجي وكان مجيء التوأم يوم تحرير ادلب”.
وذكرت في حديثها: “أخرجت الوثائق الثبوتية لأولادي وخرجنا وانتقلت للسكن في إدلب المحررة، وانضميت إلى جامعة ادلب منذ انطلاقها ٢٠١٥ وشهدت محاولة الفصائل السيطرة عليها وتشكيل اتحاد الطلبة ومقاومة الجامعة طلابا ومعلمين لمحاولة إخضاع الجامعة للهيئة”.
“هيئة تحرير الشام” استدعت (العبسي) إلى المحكمة مرتين، لأنها قالت أنه لا تريد أن تتبع جامعة إدلب لحكومة الإنقاذ وتعرضت لمضايقات كبيرة لم تعد تحتملها.
تمكنت (العبسي) من إخراج بطاقة تاجر من معبر “باب الهوى” وقررت هي وأسرتها المغادرة، وتزامن هذا مع قبولها للوزارة ضمن الحكومة السورية المؤقتة.
ختمت (العبسي) حديثها: “حقيقة أهم نجاح لي هو استمراري في العمل الأكاديمي، وأن أبقى في حالة تواصل مع جيل الثورة، الذين نعول عليهم في صنع التغيير وبناء سورية الحرة، والحمد لله على الرغم من ظروف الحرب القاسية وعدم الاستقرار والانتقال من مكان إلى آخر استطعت الاستمرار في البحث العلمي وكتابة أبحاث في التاريخ الاسلامي، ومازلت مستمرة في العمل البحثي”.
واعتبرت (العبسي) أن المرأة السورية كان لها مساهمات فعالة في الثورة السورية، وسجل حضورها منذ انطلاق المظاهرات الاولى ونالت نصيبها من الاعتقال والتعذيب، وكان لها دور كبير في تشجيع أبناءها وإخوتها على الثورة، فكانت أم لشهيد أو أرملة، فأكثر من وقع عليه العبء هي المرأة لتعدد مسؤولياتها، تراها تعمل وتدرس وتربي وتناضل للوصول إلى سورية حرة.