وضحة العثمان
برز دور المرأة السورية في مرحلة الثورة بشكل واضح ومهم في العديد من الجوانب، ولعل أكثر تواجد لها كان في نشاطات المجتمع المدني وقطاع العمل والانتاج، لكن النساء اللواتي برزن في مجال الأدب والشعر كن قلائل، وتعد “لميس الرحبي” إحدى السيدات التي استخدمت قلمها في خدمة الثورة، وانتقلت بين العَلَم والقلم فكانت الشاعرة، والثائرة التي تعمل بين السطور وعلى أرض الواقع.
وفي لقاء لها مع هيومن نيوز حدثتنا عن نجاحها قائلة:
النشأة والدراسة:
“ولدت في مدينة الميادين التابعة لمحافظة دير الزور – سوريا في أسرة تهتم بالعلم، والادب، والثقافة، فيها الأدباء والشعراء والعلماء بالدين، والتاريخ، والعاملين في التعليم كأصحاب أول مدرسة خاصة باسم “ابن رشد” في الستينات، نهلت منهم الكثير من المخزون الثقافي الذي ساعدني على اكتساب قاموس من الكلمات والمفردات، حيث بدأت أحبو في عالم الشعر والأدب، وحتى الرسم والفنون النسوية، درست في مدينتي الغافية على نهر الفرات، بعد أن نلت شهادة الثانوية العامة من ثانوية “البحتري” للبنات، وانتقلت للدراسة الجامعية في كلية الاقتصاد جامعة – حلب إلى أن تخرجت منها، على إثرها تزوجت ورزقني الله بولد وبنت، افنيت نفسي بتعليمهما”.
نجاحات في المهجر:
“حين قامت الثورة لجأنا إلى تركيا التي استقبلتنا بكل محبة وبقينا في (أورفا) سبع سنوات، أسست فيها تجمع نسائي باسم (ورد البلد) للتوعية وتمكين المرأة السورية وتقديم الخدمات لها في ظل اللجوء، بمشاركة بعض النساء اللواتي تطوعنَّ معي، فكنا نترك بيوتنا وأطفالنا ونأتي لمساعدة النساء والأسر الواصلة حديثاً كوننا من أوائل الواصلين إلى تركيا، حيث كنا نشعر بمسؤولية تجاه أبناء البلد، كما عملت الكثير في مجال حقوق المرأة، وبناء السلام والدعم النفسي، ومناهضة العنف ضد النساء، فكل ما يمت للإنسان و المبادئ الإنسانية بصلة يعتبر من أولويات العمل لدي، لذلك حرصت أعلى نقل رسالتي إلى العالم عبر أدبي وقلمي ليكونا مكملين لعملي المدني”.
تابعت (الرحبي): “من الناحية الأدبية انتسبت لملتقى الأدباء في أورفا حيث أقمنا العديد من الأمسيات والمهرجانات، كذلك أصدرت اول ديوانين بعنوان (نبض الأميرة) من دار نشر صفوة الأدباء في الكويت، وديوان (ملامح النور) من دار النشر في رابطة شعراء العرب في دبي، ثم توالت الدواوين، فكان ديوان (شبيه الزهر)، وديوان (نبض الفرات)، وديوان (الشال الأسود) قيد الطباعة، كذلك رواية (هباري)”.
أكملت (الرحبي) حديثها: “ثم انتقلنا لإسطنبول حيث أعيش فيها حالياً، وانتسبت للجمعية الدولية للشعراء العرب وشاركت في مهرجانات عدة منها مهرجان الشعر العربي 2019، 2020، 2021 م، وكذلك مهرجانات ذاكرة القرنفل، انسام الجنوب، وربيع القوافي، وخلال مشاركاتي في المهرجانات والأمسيات الأدبية وعبر كل المحافل التي دعيت إليها عملت على نقل صورة مشرفة للمرأة السورية، كما نقلت بالوقت ذاته معاناتها خلال الحرب ومعاناة كل مواطن سوري، ومن ناحية الأنشطة الأخرى أصبحت عضو مجلس إدارة في (البيت الفراتي)، وكذلك في اتحاد المرأة العربية في تركيا لممارسة الأنشطة الخاصة بالمرأة”.

البدايات في عالم الأدب:
وعن بداياتها في الكتابة تقول (الرحبي): “بدأت الكتابة في سن العاشرة، كتبت فيها قصيدة (الزنبقة الحزينة) لفلسطين، حيث كانت قضية العرب المركزية والأولى، وأغلب ما كتبته في سوريا كان شعر وجداني، خواطر، نثريات، وقصص قصيرة، تحمل أحلامي وطموحي وتطلعاتي الوردية لمستقبل مجتمعي وبلدي”.
الصعوبات التي واجهت “لميس الرحبي” والدعم الأسري:
“واجهت صعوبات كثيرة في الخروج من بلدي، حيث القصف والدمار والطائرات تجوب الأفق بلا رحمة وكانت الأمور صعبة والرعب يملأ الأماكن، إلا أنه لم تكن هناك صعوبات واجهتها في تركيا ككاتبة وشاعرة، لكن الصعوبات في أمور الحياة والمعيشة واللغة.
أما عن دعم أسرتي، فكان لزوجي دوراً مهماً في مساندتي ودفعي للنجاح، في البدايات لم يكن هو بحالة ضعف أو اكتئاب، إنما عزلة كرد فعل على الوضع العام، والإحساس بالعجز تجاه ما يمكن تقديمه خصوصاً أننا كنا من أول القادمين عام 2012م، فكنت دافعاً له لتجاوز معاناته، ومعاودة نشاطه الاجتماعي، وحاولنا الوصول معاً للسوريات المحتاجات، وكان داعماً لي في بناء أساس التجمع النسائي (ورد البلد)، حيث الأيتام والمحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة”.
تضيف (الرحبي): “معظم كتاباتي في تركيا كانت عن الوطن والغربة والحنين والشوق للأرض والأهل والحرمان، في الدواوين كل عنوان حسب مضمون، كل قصيدة تحكي قصة إحساس من ألم وفقد وغربة، مشاعر اللجوء والهجرة وترك الأهل والديار وما يعتريها من حزن ودموع تبدأ ولا تنتهي”.
نختم “لميس الرحبي” لقاءنا قائلة: “جمهوري المستهدف كل الناس والأحبة اللذين فرقتهم السبل وتوزعوا في شتات الأرض، ولا عِلم لنا إن كنا سنلتقي مجددا أم يطوينا الزمن كما طوى أحبة لنا فارقونا ولم نستطع وداعهم، فأنا حالياً لا أفكر سوى بكتابة هذه الفترة الزمنية من خلال القصائد وما تحمله من شجن وحزن، كتوثيقات للأجيال القادمة يدركوا من خلالها حجم المعاناة التي مررنا بها”.
“وقصيدتي هذه أهديها للمرأة تحت عنوان (محاسن الأتراب)”:
اللهُ عزَّ وجلَّ في قرآنِهِ نادى بها يا معشرَ الأحبابِ
والمصطفى صلّى عليه الله قد وصّى بها للآل والأصحاب ِ
ما قيمةُ الدُّنيا إذا تَفنى وهل ترقى بغير محاسن الأتراب
يا سادتي هيَ أصلُ هذا النشء فَل تتذكروا هيَ مَصدَرُ الأنسابِ
أمي ضياءُ الكون.. أشرف ما به وأَرَق قلباً يا أولي الألباب ِ
والأمُّ فخرُ الثَّائرينَ بشامِنَا قد أحبطت للبغيِ كلَّ حسابِ
أختي حياتي، بَلْ وأنفاسي التي أرقَى بها لمعارجِ الإعجابِ
بـنتي التي غارَ الشموخُ لـِعِزِّهَا نَسَجَتْ خيوطَ الطُّهرِ مِنْ جِلبابِ
المرأةُ الخنساءُ أمُّ رجالِنَا فلتحذروا مِنْ طامعٍ كذابِ
واللهَ أسألُ أن يُجَمِّلَ حالـَنَا لنكونَ كالجَنَّاتِ بعدَ يبابِ