الرئيسيةالمرآة والمجتمعكيف تزرع العائلة الوعي والثقة بالفتيات؟
المرآة والمجتمع

كيف تزرع العائلة الوعي والثقة بالفتيات؟

وضحة العثمان

إنَّ وجود الابنة في البيت يضفي عليه مزيدًا من السكينة والمحبة، فهي الزهرة التي تنبتُ في المنزل فتملؤه بهجة وسعادة، وهي ملجأ والديها رغم صغرها، وقد أكّد كثير من خبراء التربية أنّ الابنة تحتاج إلى الثناء الدائم على أخلاقها، وسلوكها الصحيح من قبل والديها، وذلك لتعزيز ثقتها بنفسها، وتعزيز ذلك السلوك الإيجابي.

ولكن ماذا بشأن الجمال الخارجي؟ وهل يتوجّب على الوالدين المبادرة إلى مدح جمال ابنتهما الشكلي؟ أم أنّ ذلك سيدفعها إلى الاغترار بنفسها؟
خطرُ التجاهل:
إنّ تجاهل تعريف الفتاة بمكامن جمالها له آثار سلبية في حياتها النفسية والاجتماعية، فربّما لا تدرك هذه الفتاة بعض ما تتمتّع به من صفات الجمال، لاسيما حين تقارن نفسها بتلك الفتيات اللواتي يظهرن بأجمل مظهر، وبذلك، فإنّها تقع فريسة الإحباط، والشعور بالنقص.

فقد بيّنت دراسة أجريت على فتياتٍ أعمارهن صغيرة أنّ أكثر من 70% منهن يشعرن بضغط نفسي حين يُقارن بين جمالهن الخارجي وصورة الجمال المثالية التي تُقدّم لهنّ عبر وسائل مختلفة!

لذا فمن الضروريّ إشعار الابنة بملامح جمالها التي تتميّز بها حتى إن كانت لا تمتلك ذاك الجمال الباهر، فإنّ كلّ فتاة لا بدّ أن تمتلكَ من صفات الجمال ما يميّزها عن غيرها، في حين أن مدحُ جمال الابنة لن يجعلها مغرورةً إذا كان هذا المدح بعيدًا عن المقارنة بالأخريات.

كلماتُك تحميها:
إنّ توفير الأمان العاطفي والنفسي من أهم وظائف الأهل تجاه ابنتهم، لأنّها مخلوقٌ عاطفي يتأثر بالكلمة المعسولة، فإنْ شعرتْ بافتقاد هذا الأمان في بيت أسرتها ربما طلبته خارج حدوده، وحينها قد تتلقفها الأيدي الكاذبة الخادعة ذات الكلام المعسول، ويحدث ما لا يحمد عقباه.

ومن ناحية أخرى فإنّ مدح الوالدين غير المبالغ فيه لابنتهما، وإظهار ذلك الجمال الذي تمتلكه وقد لا تدركه هي سيكون قوةً تواجه بها ما تراه من المظاهر المثالية للجمال المبثوثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي قد تصيب ثقتها في مقتل إنْ لم تسمع ذاك الثناء الذي تؤكد جمالها، ولا سيما من والديها.

وعن هذا الموضوع تحدثنا السيدة سلمى عبد الرحمن وهي أم لفتاتين ومعلمة تربوية قائلة:

“الدور الأكبر في حياة الفتاة هو أمها منذ الطفولة وحتى آخر العمر، وخصوصاً المراحل الأولى من الطفولة حيث هي البداية لتكوين الشخصية، فكلما كانت علاقة الأم بابنتها عميقة وإيجابية كلما انعكس بشكل ملحوظ وإيجابي على شخصية الابنة، فتصبح أكثر ثقة بنفسها ومتوازنة عقلياً وعاطفياً وأكثر وعياً من أترابها”.

وتضيف (سلمى عبد الرحمن): “من تجربتي كأم لابنتين إحداهما بعمر المراهقة، والثانية لاتزال طفلة صغيرة تشعر أنها الطفلة الأجمل، رغم تعرضها لبعض مواقف التنمر، ذلك أني حرصت على أن أكون لهما صديقة مقربة، رفعت من ثقتهن بأنفسهن وعززت النقاط الإيجابية في شخصية كل واحدة منهن فلا يكترثنَّ لكلام الآخرين ولديهنَّ رضا داخلي مرتفع بطريقة تفكيرهنَّ، بل ويستغربنَّ من زميلاتهن في الفصل اللواتي يتخذنَّ من الكمامة وسيلة لإخفاء وجوههن لعدم رضاهن عن ملامحهن فقط خوفاً من نظرة الناس، كما تنطوي بعض الفتيات على أنفسهن ويعتزلن المشاركة بالفصل، لعدم ثقتهن بأنفسهن الناتجة عن استهزاء المحيط العائلي بهن”.

وترى سلمى عبد الرحمن بصفتها تربوية ومعلمة في المرحلة الابتدائية أن أكثر ما يعاني منه الأطفال، والإناث منهم خاصة، من مشاكل وعقد نفسية يكون الأهل هم المسبب الأول لها، إما بسبب جهلهم وعدم وعيهم بأسس التربية السليمة، أو بسبب عقد المجتمع والموروث الاجتماعي الذي يواصل قمع و تعنيف الإناث، كأن تلزم الفتاة بملابس لا تناسب عمرها و طفولتها لإخفاء معالم جسدها، بحجة الخوف عليها فتصبح لديها عقدة من جسدها، وتحرم من طفولتها مبكراً دون إداركها لكل هذه التفاصيل الاجتماعية، وتكبر ويكبر بداخلها الخوف من المجتمع وعدم الثقة بالنفس، و يصبح همها فقط إرضاء الآخرين

بالوقت الذي كان على الأهل وخصوصاً الأم أن يكونوا سنداً حقيقياً لها، ويزرعوا فيها القيم التي تجعل منها أنثى جريئة، ومهذبة، وواثقة من نفسها ومن قراراتها دون تكبر أو وقاحة، ومتواضعة دون ذل أو خضوع فتكون يوما ما أماً ومربية متوازنة تنتج للمجتمع جيلا متوازناً هو نواة لمجتمع سليم متحضر قوي.

في هذا السياق تعبر السيدة أحلام وهي أم لفتاة واستشارية نفسية وتربوية قائلة:
“كلنا نعلم أن أصل الوجود هو التوازن في كل شيء، حيث وضع الخالق سبحانه قانون الميزان والتوازن، لخلق إنسان معتدل ومتوازن في أفكاره ومعتقداته وخياراته”.

كما أكدة أحلام أن من أكثر الأمور التي يتم اختبارنا فيها بالحياة هي تطبيقنا الصحيح لهذا النظام في جميع جوانب حياتنا، وأهمها التعاملات بما فيها التعامل بالطريقة السليمة في توجيه الأبناء وفق مفاهيم صحية متوازنة تتوافق مع أصل الفطرة التي فطرها الله تعالى في كينونة الإنسان من ذكر وانثى، ليتوافق مع هذا القانون الإلهي القويم.

وترى السيدة أحلام أن أي تلاعب أو تطرف في بناء سيكولوجية الأبناء سيخلق انحراف وازدواجية في سلوكياتهم، فالازدواجية بالفهم والتناقض بالتطبيق ضد طبيعتنا، وهما أصل كل مرض نفسي للإنسان، بل ويعرقل تحقيق ذاته بشكل سليم ومتناغم مع قانون الميزان.

وتضيف السيدة أحلام أن من الحكمة الإلهية الاختلاف في خلق الذكر والأنثى لأجل تحقيق التوازن الطبيعي وليس لأجل التمييز العنصري والحقوقي، فميز الأنثى عن الذكر بصفاة جسدية وغرائزية تختلف عن الذكر في نواحي وتتشابه في أخرى.

وكما أن من حق الذكر أن يستشعر
ويتعايش مع صفاته الخلقية الطبيعية ويعبر عن ذكوريته بكل حرية وثقة، فإن من العدل ومن حق الأنثى أن تستعمل حقها في التعبير عن أنوثتها بكل ثقة وقبول، ويلعب الأهل والمجتمع الدور الأساسي في هذا المجال سلباً أو ايجاباً، فعندما تنشأ الفتاة في أسرة واعية وعادلة في الرؤى من ناحية مراعاة التكوين الفطري للفتاة، فإنها حتما ستهتم بنوعية وسلامة المفاهيم والمعتقدات التي تزرعها في عقل الفتاة، وتحرص على أن تكون لها اليد المساعدة لكي تكبر تلك الفتاة بشخصية متوازنة وواعية ومثقفة.

ولكي يتحقق هذا الأمر تقول السيدة أحلام: لابد أن يلتفت الأهل الى استخدام أهم عنصر في بناء شخصية الفتاة بشكل صحي وهو عنصر التشجيع والمساندة، لجعلها تهتم بشكلها وأنوثتها وأن تفتخر كونها أنثى طبيعية شكلاً وعقلاً ونفساً، وهنا يحصل التوازن في شخصيتها ونكون قد بنينا لها حصنا قوياً ومانعاً من الوقوع في الاختلال في رؤيتها للأمور الخارجية من حولها، كشعورها بالنقص فتلجأ للمقارنة بنظيراتها من الفتيات اللواتي يعبرن عن أنفسهن وأنوثتهن بحرية.

هديٌ نبويّ:

وفي الختام لا بد من تذكر ما ورد عن إحدى الصحابيات، وهي تتحدّث عن موقفٍ حصل معها في طفولتها، فقالت: أَتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع أبِي وعَلَيَّ قَمِيصٌ أصْفَرُ، فقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: سَنَهْ سَنَهْ – وهي تعني بالحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ.
فامتدح رسول الله صلى الله عليه وسلم حسنَ ملابسها، وخاطبها باللغة التي نشأت عليها، والتي تفهمها، حيث رَبِيَت مع أمها وأبيها في الحبشة، وهذه القصة تبيّن إدراك النبي صلى الله عليه وسلم لعظيم أثر مدح الفتاة في أشياء تحبّها، بدليل أنّ هذا الموقف بقي عالقًا في ذاكرتها، وترك أثرًا بالغًا في نفسها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *