وضحة العثمان
من رحم المعاناة يولد الأمل، هكذا هو الحال مع الأزمة السورية، فخلال عشرة سنوات عصيبة مضت، برزت الكثير من قصص النجاح التي أثبتت أن السوريون أناس ذوي إرادة وموهبة ومقدرة على التميز، وأكثر هذه القصص أبطالها من النساء، حيث برز دور المرأة السورية وسطع نجمها على جميع الأصعدة المهنية، العمل المؤسساتي، ومنظمات المجتمع المدني.
بطلة قصتنا اليوم السورية “عفراء هاشم”، إحدى الرموز الثورية التي حملت قضية الثورة السورية ومعاناة السوريين لاسيما المرأة السورية إلى العالم، لتكون نموذجاً مشرفاً وقدوة يحتذى بها.
ولإلقاء الضوء عن قرب على شخصية وحياة الناشطة الثورية والمدافعة الحقوقية “عفراء هاشم” أجرى موقع “هيومن نيوز” معها اللقاء التالي:
مرحلة ما قبل الثورة:
تحدثنا (عفراء) عن هذه المرحلة قائلة: “أنا أم لطفلين، كنت أعمل كمعلمة في قطاع التربية في مدينتي حلب الشهباء، وكأي امرأة عاملة كنت أذهب لعملي بشكل روتيني مع متابعة دراستي في الجامعة، وأهتم بتربية أطفالي وتدبير شؤون أسرتي، ومع اندلاع ثورات الربيع العربي، راودني حلم وصول هذه الثورة والتغيير إلى بلدي، ذلك أني ولدت وترعرعت في أسرة معارضة، غذت فيني حب الحرية، وكره دكتاتورية النظام وظلمه”.
بدايات العمل الثوري:
تتابع (عفراء): “سرعان ما أصبح الحلم حقيقة، ثار الشعب السوري على نظام الدكتاتور رافضاً الظلم، كانت البدايات عبارة عن حراك سلمي، انخرطت في تنظيم المظاهرات وشاركت في إسعاف المصابين بها، من ثم تقسمت حلب إلى منطقتين شرقية تابعة للثوار، وغربية تابعة لقوات النظام، انتقلت أنا بعد اعتقالي والافراج عني إلى المنطقة الشرقية، كنت حامل بطفلي الثالث، بقيت بالمنطقة المحررة، وافتتحت أول مدرسة لي في منطقة صلاح الدين، والتي أصبحت لاحقاً بالتعاون مع أختي إيمان سلسلة من المدارس لحماية حقوق الأطفال، ثم انتقلت للعمل التطوعي في المجلس المحلي كعضو مجلس محلي للهيئة العامة، كما عملت مع منظمات المجتمع المدني، وساهمت في افتتاح مدارس أو مساحات لتمكين ودعم المرأة في منطقة حلب، أيضاً عملت على تأسيس أول مسرح للطلاب في المناطق المحررة، فكنت أكتب بعض النصوص المسرحية، ثم أدرب الطلاب على تأديتها لنقدمها على المسرح، فعلت ذلك بسبب عشقي للأطفال، وبدافع إيماني بأهمية التعليم وما يشكله العمل المسرحي من دعم نفسي للأطفال في زمن الطوارئ، وصولاً لتعليم متوازن يحمي الأطفال من عواقب الحروب”.
قوة الإيمان بالمبدأ:
تقول (عفراء): وجودي خلال سنوات تقسيم حلب إلى شرقية محررة وغربية تابعة لقوات النظام، أي من07/2012 ولغاية التهجير القسري 12/2016 عملت بكافة مناحي الحياة المدنية كالتعليم والحماية والإغاثة والعمل السياسي والعمل الثوري، وبكل ما يمكنني من أن أمارس حقي كامرأة، حاولت أن أخفف آثار الحرب عن نفسي وعن عائلتي وعن مجتمعي بكل ما أستطيع تقديمه.
رفضت الخروج من حلب بهذه الفترة حتى اضطررت لذلك عندما بدأ التهجير القسري، لأني كنت مؤمنة بضرورة العمل المدني والحراك السلمي، كما يوجد أناس بحاجة لوجودنا كحملة شهادات وثوار بالدرجة الأولى، ولأن أولادي لم يكونوا أهم من كل هؤلاء الأولاد المتواجدين في المدينة، سلامتهم لم تكن أهم من سلامة هؤلاء، لذلك كان قرار تواجدي داخل المدينة قرار مفصلي، غير عفراء هاشم إلى عفراء التي تفكر بكل الناس حولها أكثر من تفكيرها بنفسها وعائلتها، قد يراني البعض متهورة ومتسرعة، لكن الذين عاشوا الخوف والرعب في نظرات الناس خلال القصف، بالأخص قصف المدارس، واستشهاد الأطفال والكوادر التعليمية يعلم تماماً كم هو مهم تواجدنا كمؤمنين بالحرية والعدالة، لنثبت للعالم أننا شعب لديه قضية يسعى إليها بالحراك السلمي و النضال اليومي، و لأثبت كامرأة حقي بالتمكين المجتمعي و المشاركة بالنضال ليس فقط ضد النظام، وإنما ضد الكثير من المفاهيم الاجتماعية المترسبة والتي تحتاج للكثير من العمل لتغييرها”.
التهجير والمعاناة في بلاد المهجر:
تضيف (عفراء): “خلال فترة وجودي بحلب كان لدي صديقة تعمل في مجال الصحافة والاعلام، اعتادت أن تصورنا أنا وعائلتي بشكل يومي كشاهد على حياة الحرب اليومية، بعد التهجير القسري، وعملت فيلماً عن معاناة الشعب السوري خلال الحرب، الفيلم كان حصيلة تصوير حياتها وحياة من حولها بشكل يومي، وصل الفيلم للعالمية، ليدخل المنافسة في جوائز طاشكا، أوسكار، ومهرجان كان، ولأنه كان مرشح لجائزة البافتا في بريطانيا، تلقيت دعوة لحضور الافتتاح، فتوجهت لبريطانيا، طبعاً بعد التهجير القسري توجهنا إلى تركيا حيث أقامت عائلتي في مدينة غازي عنتاب، وعدت أنا للعمل بالشمال السوري المحرر(عفرين، الأتارب، حريتان) كمسؤولة المكتب التعليمي مع إحدى المنظمات، وعندما أتتني الدعوة و اضطررت للخروج إلى بريطانيا وفقدت إقامة الحماية المؤقتة في تركيا، بقيت لوحدي في بريطانيا، وقدمت على اللجوء ومن ثم لم شمل لاجتمع بعائلتي في بريطانيا، كانت نقطة تحول في حياتي بعد سنين طويلة من التشرد والرعب الذي عاشه أولادي، الأمر الذي دفعني للتفكير لأول مرة بمستقبل أولادي”.
تكمل (عفراء) حديثها لهيومن نيوز: “ما دفعني لأخطو خطوة اللجوء في بريطانيا مع عائلتي، خسارتي لمدينتي والتهجير القسري الذي تعرضنا له بعد سنين من الصمود، تحولت إلى نازحة بالداخل السوري ثم إلى لاجئة في تركيا مهددة بخطر الترحيل بأي لحظة مع عائلتي، لذلك خطوت خطوة لأكون لاجئة في بلد يضمن حقوقي كإنسانة تتمتع بحق امتلاك جواز سفر، وبحق العمل، دون أن يتم ترهيبه أو تهديده بالترحيل، أكملت دراسة الماجستير في جامعة بريطانية، لاتخرجت مؤخراً من جامعة هال، وأعمل حالياً مع حملات المناصرة ( أكشن فور سما) و (لا تخنقوا الحقيقة) كمديرة للحملة، فأنا أؤمن بضرورة مناصرة قضايانا كسوريين أمام المجتمع الأوربي، حيث شاركت في العديد من المناسبات الاجتماعية، والمؤتمرات التي تحكي عن تجربة المرأة السورية، وحاولت أن أقدم خلالها قدر الإمكان صورة حقيقية عن المرأة السورية، وكسر الصورة النمطية تجاهنا كعرب و نساء سوريات مهمشات، وتسليط الضوء على معاناة المرأة السورية في الشتات وليس فقط في سوريا”.
تختتم (عفراء) حديثها بالقول: “آمل أن نعود يوماً ما كسوريين إلى بلدنا ونعيش فيها كسوريا التي نطمح لها، والتي خرجنا من أجلها تتمتع بالحرية و الكرامة والمساواة”.