وضحة العثمان
الحراك الثوري في سورية أدى إلى تغييرات كبيرة في بنية الحياة السورية وتغيرت حياة الكثيرين في تلك الرحلة التي تنشد الحرية والعدالة، الرحلة التي رافقها الكثير من الحكايات والتي لابد من جمعها والحديث عنها ومن تلك الحكايات حكاية سناء وهي مثال للمرأة الاستثنائية في ظروف الحرب.
في حوار لموقع هيومن نيوز عرفتنا سناء عن نفسها قائلة: أنا من مواليد بلدة حيش القريبة من معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، أكملت تعليمي حتى حصلت على الشهادة الثانوية في فرعها الأدبي ثم تزوجت بعد ذلك لكن انقطاعي عن مواصلة التعليم لم يحل بيني وبين شغفي بالكتابة والقراءة اللذان زرعهما والدي رحمه الله فيّ منذ الصغر حيث كان يعمل أمينا للمكتبة في ثانوية البلدة وكنت أقضي أغلب أوقات فراغي بصحبته أقرأ وأقرأ وخاصة الروايات ودواوين الشعر وكل ما يتعلق باللغة العربية.
ذلك الواقع ولّد عند سناء موهبة شعرية مبكرة ما زالت مصاحبة لها رغم كل ظروف النزوح والتشرد والألم التي عاشتها خلال سنوات الثورة الماضية وتقول سناء: بدأت موهبتي الشعرية منذ الصغر وكتبت الشعر العمودي على الرغم من أنني كنت جاهلة بعلم العروض ولكني كنت أكتب سماعياً إلى أن جاءت الثوة وكانت ملهمتي ودافعي نحو الكتابة أكثر وأكثر، وقد كتبت أجمل قصائدي للثورة وفي الثورة وكذلك كانت الكثير من هذه القصائد تغنى في المظاهرات أو تلحن من خلال مقاطع فيديو يتم نشرها وتداولها بين الناشطين ومن أبرزها وأجملها قصيدة أقول فيها:

عَقدٌ وعام تسكنين بذاتي
يا أمّنا يا أعظم الثوراتِ
تاجُ الكرامةِ من جبينِك عزُّنا
فيما مضى وبكلِّ يومٍ ٱتِ
في إدلب الخضراء يهتف جمعُنا
بقصيدةٍ كُتبتْ بحبرِ دواتي
من أدمعي ومواجعي حرفي سما
لا لن أخونَ العهدَ “أنتِ حياتي”
وأثناء وقوفنا على تجربة سناء خلال الثورة السورية كانت تجربة مليئة بالحيوية والتضحية والتنوع والنشاط مثبتة مرة أخرى أن المرأة السورية حاضرة في كل مراحل الثورة وبقوة وعلى جميع الأصعدة وتقول سناء: في بداية الثورة كنت أعيش مع زوجي وأولادي في مدينة حلب، لكن صيحات الحرية كانت مغرية بالنسبة لنا فلبيناها منذ البداية وشاركنا في عدة مظاهرات في المدينة رغم القبضة الأمنية المحكمة لقوات النظام في تلك الفترة ولطالما شدني هتاف “حرية حرية” وأنساني كل المخاطر.
وتضيف سناء: المرحلة الثانية بدأت مع نزوحي من مدينة حلب حيث زادت القبضة الأمنية وبدأ الأمن يشن حملات الدهم والاعتقالات وهو ما جعل الحراك في المدينة صعبا فانتقلت إلى قريتي معرة حرمة وكانت رحلة محفوفة بالألم فلم نكن نحمل سوى حقيبتين فيهما الضروري من أغراضنا الشخصية، ونجر أطفالنا بأيدينا وننتقل بين قرى ريف حلب الجنوبي وصولا إلى إدلب التي كانت خاضعة لسيطرة قوات النظام وصولا إلى قريتنا التي كنا لا نملك فيها بيتا خاصا بنا ولتبدأ حكاية معاناة استمرت حتى اليوم.
وتتابع سناء حديث النزوح قائلة: اضطرنا النزوح للسكن مع أهل زوجي وأسرة أخيه في منزل واحد، وكانت الحياة بائسة صعبة لكن لم نهنأ بها رغم ذلك فباشر النظام عام 2013 حملة قصف كانت الأعنف لحق الدمار خلاها ثمانين بالمئة من المنازل في قريتنا والقرى والبلدات المجاورة واضطرنا الخوف والقصف العنيف إلى النزوح نحو الأراضي الزراعية وأمضينا أكثر من شهر في البراري وعندما هدأ القصف عدنا لنجد منزل أهل زوجي شبه مدمر وغير صالح للسكن.
هنا بدأت مرحلة جديدة عنوانها نزوح جديد في حياة سناء لا تعرف الهدوء ولا السكينة ولا الاستقرار وتنتقل بين أرياف حلب وإدلب لكنها على ما فيها من المرارة والنزوح والتغرب إلا أن سناء أضافت إليها مزيدا من التجارب والنجاحات والإنجازات واستثمرت فيها بالشكل الأمثل ولم تستسلم خلالها لليأس والهزيمة فإضافة إلى نشاطها في الجانب الثورة والشعري برعت سناء خلال تلك الفترة بنشاطها الإعلامي وطورت تجربتها من خلال الخضوع لكثير من الدورات الإعلامية في التحرير والتصوير وصولا إلى كتابة حلقات في مسلسل إذاعي في راديو “فريش” المحلي، ثم عملت مراسلة لمنصة “سوريا أربعة وعشرون” وما زالت مراسلتهم حتى الآن.
وعن تجربتها الإعلامية تقول سناء: خلال عملي كمراسلة استطعت الوصول إلى الكثير من السيدات في المخيمات والبلدات والمدن في الشمال السوري المحرر ونقلت معاناة الكثيرات وكثير من تلك الحالات تركت أثرا عميقا في نفسي ومنها حالة فتاة مريضة تبلغ من العمر35 عاما وقد جاءتها نوبة ألم شديدة وبدأت بالصراخ في لحظات توثيق حالتها المرضية هذا المشهد جعلني أبكي بشدة ولم أعد قادرة على إكمال التصوير والحالة الثانية هي لطفل بترت ساقه بعد قصف للطيران ولدى سؤالي له ماذا تتمنى؟
أجاب: أتمنى أن تعود قدمي
وتقول سناء ما زال وجه الطفل يرتسم أمامي وملامحه بما فيها مع الحيرة والألم والرجاء والتمني.
وفي نهاية حديثها لا تستذكر سناء إلا الواقع المأساوي لعشرات الأسر والعوائل في مخيمات النزوح في الشمال السوري وتقول إن واقعهم لا يدع لك مجال للتفكير في أي شيء آخر إلا الدعاء بالفرج القريب لأن من يعيش في المخيمات يفتقد لجميع مقومات الحياة الإنسانية.