وضحة العثمان
تشتهر السفرة السورية بتعدد أطباقها واعتمادها على الخضار المتنوعة، كون سوريا أرض خصبة ذات محاصيل، ومع تشتت السوريين في كل بقاع الأرض لم يتخل الكثير منهم عن عادات وتقاليد المجتمع السوري واصطحبوا مطبخهم معهم في بلدان اللجوء، ولعل “المكدوس” من أشهر الأكلات التي نقلها السوريون إلى الشعوب الأخرى ولاقت قبولاً كبيراً.
ويعتبر “المكدوس” أحد أهمّ الأكلات السورية وخاصّةً في حلب، حيث لا يكاد يخلو بيت منه، وتعود أصوله إلى مدينة حلب ثم انتشر بعد ذلك في بلاد الشام ووصل مؤخراً إلى تركيا، ولاقى إقبالاً واسعاً هناك، ليصبح من أهمّ أطباق المقبلات التي يجب أن تتوافر على مائدة الإفطار، ويمتاز “المكدوس” بقابلية الاحتفاظ به لفترات طويلة، حيث يخزن ضمن عبوات زجاجية أو بلاستيكية بعد أن يضاف إليه زيت الزيتون.

إلا أنه مع انتقال السوريين إلى بلدان اللجوء لم يعد من السهل توفير أدوات “المكدوس” ومكوناته، سيما الباذنجان المخصص لذلك، حيث يدخل نوع محدد من الباذنجان في صناعة “المكدوس”، فبدأ السوريون بالبحث عن بدائل لإيجاد هذا النوع من الخضار وتمكنوا من نقله إلى بلدان اللجوء، ليصبح من الخضروات المتوفرة في الدول التي يتواجد بها السوريون.
يقول (حسن) وهو تاجر مواد غذائية في تركيا: “بعد أن لجأ عدد كبير من السوريين إلى تركيا، بدأت العمل على تحضير المواد الغذائية الأساسية وكان “المكدوس” أحد الأكلات التي بدأ السوريون البحث عن طريقة لتحضيرها، وبسبب أن إحضاره من سوريا كان متاحاً في سنوات اللجوء الأولى، فكان يتم إحضار الكميات المطلوبة من سوريا لكن مع مرور الوقت تعذر ذلك، ومع ازدياد أعداد السوريين في تركيا بدأت العمل على تجهيز المواد الغذائية كاملة في تركيا، وكان أن بدأت عملية زراعة النوع المخصص من الباذنجان من أجل المكدوس على مساحات ضيقة، ثم مع ازدياد الطلب بالسوق بدأ ينتشر الباذنجان الخاض بالمكدوس في معظم المناطق الزراعية في تركيا”.

وأما عن طريق تحضير المكدوس فتروي لنا “مريم الواصل” قصة تجهيز هذه الأكلة قائلة: “لصناعة المكدوس طقس خاص وحكاية طويلة لها مراحل متعددة، تبدأ من تجهيز النوع الخاص من الباذنجان ذو الحجم الصغير المعروف لدى السوريين بالباذنجان الحمصي، ثم نقوم بوضعه بقدر كبير ونضع فوقه ثقل يغطيه بشكل كامل، ثم نغمره بالمياه ونتركه حتى يغلي قليلاً، يجب أن يكون نصف استواء كي لا يتمزق الباذنجان أثناء عملية إضافة الحشوة”.
وتابعت (مريم): “بعد سلق الباذنجان نقوم بفتح كل حبة من جنبها ونحدث شقاً صغيراً في طرف كل منها ونحشوها قليلاً بالملح، وبعد الانتهاء من التمليح نصف حبات الباذنجان في مصفاة كبيرة ونغطيها بقطعة قماش، ثم نضع فوقها ثقل يغطي كامل سطح الباذنجان، كما يقلب الباذنجان على فترة يومين ونتركه حتى يتخلص بشكل كامل من الماء”.
تضيف(مريم): “في هذه الأثناء تحضر الحشوة التي هي عبارة عن فلفل أحمر جاف مطحون وفق خشونة معينة، ونوع من المكسرات حسب الإمكانية (الفستق الحلبي – الفول السوداني- الجوز)، تخلط المكسرات مع الفلفل الأحمر والملح والبعض يضيف الثوم حسب الرغبة ليتم حشي المكدوس، أخيراً يصف المكدوس في أوعية زجاجية أو بلاستيكية مع الضغط قليلاً لكي لا يكون هناك أي فراغات، ثم يغمر بزيت الزيتون و يقفل المطربان و يترك لمدة أسبوع ثم يكون جاهزاً للأكل”.

ويبدو أن “المكدوس” نزح مع السوريين واستطاع أن يتحول من أكلة سورية إلى أكلة للجميع، ويرى “حسن العثمان” – تاجر أغذية – أن “المكدوس” لم يعد يباع للسوريين فقط، حتى الأتراك أحبوه وأقبلوا على شرائه، لذلك أصبحنا نحضره بكميات كبيرة ونبيعه جاهزاً للأكل.
وأضاف (العثمان): “هنالك مساحات كبيرة تزرع في ولاية أنطاكية جنوبي تركيا بالمواد الأولية الخاصة بالمكدوس، وبات يصدر منه كميات كبيرة إلى الدول الأوروبية ودول الخليج العربي، حتى أصبحت مهنة صناعة المكدوس مصدر دخل للعديد من العوائل السورية في تركيا”.