أيهم الشيخ
عندما بدأ الحراك الشعبي المطالب بالتغيير في سوريا عام 2011، رد نظام الأسد بسحب الخدمات العامة من داخل المناطق التي كان الحراك السلمي فيها نشطاً، متبعاً أسلوب العقاب الجماعي للسكان بالتوازي مع استخدام العنف لقمع الحراك، ورغم عنف النظام وقواه الأمنية منذ اللحظة الأولى حافظ المتظاهرون في الشهور الأولى من الانتفاضة الشعبية على سلميتهم.
وكان التظاهر يعني الموت لكن ذلك لم يمنعهم من الاستمرار بمطالبهم التي بدأت تتطور دون أن تجد من نظام الأسد إلا القمع الوحشي، واستخدام القوة المفرطة، ووصلت الأمور إلى طريق مسدود، ولم تكن المطالبة بالإصلاحات والحرية كافية وبدأت المطالبة بإسقاط النظام، وبناء دولة تحفظ كرامة السوريين، هذا الوعي من الحراك، واجهه النظام بقسوة، لتكون الدبابات والطائرات والمدافع بمواجهة المتظاهرين وليبدأ فصل جديد فرضه نظام الأسد من العنف بعد أن بات المتظاهرون أمام خيارين، الموت بصمت، أو المقاومة وهو ما كان النظام يدفع باتجاهه بقوة ليبرر الاستخدام المفرط للقوة.
تسارعت الأحداث وكان تدمير المدن هو وسيلة الانتقام من المدنيين، وكان الحصار وسيلة أخرى لا تقل خطورة عن سحب الخدمات العامة والقصف، لتصبح حياة السوريين أشبه بالجحيم الحقيقي، وكانت الحاجة المتزايدة لسد الفراغ الحاصل دافعاً للمجتمع المدني للاصطفاف وتنظيم جهوده من أجل المدنيين ومساعدتهم في جميع الظروف من دون تمييز.
من أين كانت البداية؟
الفطرة الإنسانية دفعت مدنيين من شتى الانتماءات والمشارب للقيام بمبادرات فردية للمساعدة بتقديم الخدمات الأساسية وإنقاذ الأرواح والمساهمة في ترسيخ الهوية المدنية لسوريا.

هذه المبادرات كانت مدفوعة بشغف إنجاح حلم التغيير الجذري الذي دعت إليه شعارات الحراك السلمي في سوريا، وتجمع المئات من المتطوعين معاً، الذين كانوا من مختلف المشارب والاتجاهات والاختصاصات، فعل هؤلاء المتطوعون ما بوسعهم لمساعدة مجتمعاتهم في الاستجابة لعمليات القصف وحالات الطوارئ الأخرى، ولم يربط تلك الفرق أو المتطوعون أي رابط مؤسساتي بالصورة التي نراها اليوم، بل عمل الجميع في الحيز الجغرافي الموجود به دون أن يعرف حتى بالمجموعات التطوعية الأخرى التي كانت تعمل بالأحياء المجاورة، مدفوعاً بهدف إنساني بحت.
وكانت حادثة منع قوات النظام عام 2012 لإحدى فرق الإطفاء في مدينة حلب من الاستجابة لحريق في حي سكني بحجة أنه خارج عن سيطرتها، البذرة الأولى للظهور بشكل علني لأول فريق مختص تحدوا قرار قيادتهم وذهبوا وأطفأوا الحريق، لقد كانت تلك نقطة تحول بالنسبة لمنير المصطفى (الذي أصبح لاحقاً نائب مدير الدفاع المدني السوري) وأعضاء فريقه الآخرين، فقد كانوا يعلمون أنهم برفضهم لأوامر رؤسائهم قد صاروا أعداءً للنظام، وأن حياتهم أصبحت في خطر.
ويقول “منير المصطفى” نائب مدير الدفاع المدني السوري للشؤون الإنسانية إنهم أنشأوا مركزاً للاستجابة لحالات الطوارئ لخدمة جميع السوريين في أحياء مدينة حلب التي خرجت عن سيطرة النظام وهكذا كانت بذرة إنشاء أحد مراكز الدفاع المدني السوري الأولى في المدينة.
وأضاف المصطفى: “في المناطق السورية الأخرى لم يختلف الوضع كثيراً، القصف والنزوح كان على أشده وحاجة السكان لفرق تساعدهم بات أمراً ملحاً”.
وهذا ما دفع “رائد الصالح” (والذي أصبح لاحقاً مدير الدفاع المدني السوري) للمساعدة في تأمين مأوى للنازحين داخليًا ونقل المدنيين المصابين لتلقي العلاج في تركيا.

وسمع “رائد الصالح” عن التدريب الذي قدم في مجال الدفاع المدني وحضر إحدى الدورات التدريبية الأولى المقامة في “تركيا” عام 2013، وأنشأ رائد على إثرها أول مركز للدفاع المدني في بلدة اليعقوبية في ريف إدلب الغربي.
وعن تلك الفترة يقول “رائد الصالح” مدير الدفاع المدني: “دمشق وريفها ودرعا وحمص كانت تسير على نفس الطريق، مجموعة من المتطوعين الشباب يجتمعون وينشؤون مراكز للدفاع المدني لمساعدة السكان وإنقاذهم من تحت القصف بما يتوفر لديهم من معدات بسيطة ولكن كان أثرهم كبيراً وما قدموه كان جباراً في ظل الظروف على الأرض”.
وأضاف “الصالح”: “بحلول عام 2013 بدأت أخبار أعمال الفرق التطوعية بالانتشار، وسمعت هذه المجموعات ببعضها البعض لأول مرة، نتج عنها إنشاء قنوات اتصال للتنسيق بين الفرق وتبادل الموارد المحدودة، كما بدأت بعض الفرق في تلقي دورات تدريبية في أساليب البحث والإنقاذ من خبراء، وبهذه المرحلة ذاع صيت هذه المجموعات، وعمل على دعمها عديد من المنظمات الدولية والمانحين الدوليين من خلال تقديم معدات الإنقاذ والإسعاف ليتم الانتقال للعمل كمؤسسة واحدة رسميا في 25 تشرين الأول 2014”.
ويردف “الصالح” 25 تشرين الأول عام 2014 كان الاجتماع التأسيسي الأول في مدينة أضنة التركية، وحضره نحو 70 من قادة الفرق في سوريا، ووضع المجتمعون ميثاقاً للمبادئ الخاصة بالمنظمة لتعمل تحت القانون الإنساني الدولي، وتم الاتفاق على تأسيس مظلة وطنية لخدمة السوريين، وإطلاق اسم “الدفاع المدني السوري” عليها، وشعاره من الآية القرآنية “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”.
ومع بداية عام 2015 أطلق اسم “الخوذ البيضاء” على “الدفاع المدني، بعد اشتهار الخوذ التي يرتديها المتطوعون أثناء عمليات البحث والإنقاذ، ووصل عدد المتطوعين عام 2021 إلى نحو 3 آلاف متطوع بينهم أكثر من 260 متطوعة.
برامج متطورة وآلية عمل
تعمل فرق الدفاع المدني على خمسة برامج أساسية ينبثق عنها جميع المهام الميدانية على الأرض وهي:

أولاً: برنامج البحث والإنقاذ والإطفاء
ويتضمن
1- البحث والإنقاذ:
عند تلقي أي إنذار أو رسالة استغاثة يستجيب الدفاع المدني بالتحرك نحو الأماكن المستهدفة للقيام بعمليات البحث والإنقاذ للعالقين تحت الأنقاض، ويعمل بجميع الوسائل الممكنة لسحب المصابين والجثث ويعتبر هذا العمل محوري وأساسي، كما يشمل البحث والإنقاذ، إنقاذ العالقين داخل الآبار أو إنقاذ المدنيين من حوادث الغرق في الأنهار وغيرها.
ويقول “منير المصطفى” نائب مدير الدفاع المدني: “استجابت الخوذ البيضاء لآلاف الهجمات التي شنها نظام الأسد وروسيا والميليشيات الإيرانية على مدى السنوات الماضية ويتجاوز عدد الأشخاص الذين تم إنقاذهم جراء تلك الهجمات أكثر من 125 ألف شخص جلهم من المدنيين، حيث إن الهدف من مهمة البحث والإنقاذ هو إنقاذ أكبر عدد من المدنيين في أقصر وقت ممكن وفي الوقت نفسه تقليل الخطر على المتطوعين.

بدأ نظام الأسد حملة من الضربات الجوية على المناطق الواقعة خارج حدود سيطرته في نهاية 2012، وانضمت القوات الجوية الروسية لهذه الحملة في أيلول 2015. قامت الطائرات والمروحيات بإسقاط القذائف والقنابل العنقودية والأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة والألغام البحرية فوق المدارس والمشافي والمنازل السكنية في الوقت الذي يدعي فيه النظام أن هدف هذه الضربات هو مكافحة الإرهاب، تظهر البيانات (التي وثقتها فرق الدفاع المدني) بأن استهداف المدنيين والبنية التحتية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام كان ممنهجا ومقصودا ومخططا له.
ويضيف “المصطفى” نائب مدير الدفاع المدني: عند حدوث ضربة جوية، يقوم متطوعو الخوذ البيضاء بالإسراع إلى موقع الحادثة لإنقاذ المدنيين، تعتبر الساعات القليلة اللاحقة للاستهداف حاسمة في إنقاذ الأرواح ومع ذلك، قد يستمر العمل على انتشال الجثث لعدة أيام لإخراج جميع العالقين تحت الركام كما تعتبر المراحل اللاحقة للقصف أخطر ما يكون على فرق الدفاع المدني حيث تعمد النظام استهداف الفرق أثناء قيامها بالاستجابة لقصف سابق وأدى إلى مقتل وإصابة عدد من المتطوعين.
2- الإطفاء
يستجيب الدفاع المدني لجميع أنواع الحرائق سواء كانت ناتجة عن حوادث قصف أو حرائق منزلية أو حرائق المناطق الصناعية أو الزراعية والغابات وغيرها.

ويقول “رائد الصالح” مدير الدفاع المدني: إن الخوذ البيضاء تستجيب سنوياً لأكثر من ألفي حريق موزع بين المخيمات والمناطق الحراجية و المنازل، ويتعبر قصف النظام وروسيا هو المسبب الأول للحرائق، وقد فقد الدفاع المدني عدداً من متطوعيه أثناء محاولات إخماد الحرائق.
ثانياً: برنامج الصحة:
ويتضمن منظومة الإسعاف:
تقدم فرق الدفاع المدني خدمة الإسعاف عبر منظومة متكاملة تقوم بإسعاف المرضى والحالات الطارئة ومصابي الحوادث وعند إنقاذ المدنيين من تحت ركام القصف، وتشمل عملية الإسعاف إضافة للنقل، تقديم الإسعافات الأولية للمرضى حتى وصولهم إلى المراكز الطبية.
كما تقوم فرق الإسعاف بتنسيق الإستجابة مع قطاعات البحث والإنقاذ والإطفاء في حالات الطوارئ لتكامل الخدمات ورفع مستوى الفعالية وإجراءات السلامة لإنقاذ الأرواح وتقوم فرق الإسعاف بالتنسيق مع الجهات الصحية الفاعلة في مناطق العمل لتحسين الاستجابة والمساهمة في نظام صحي أكثر فاعلية.
وبحسب “رائد الصالح” فإن فرق الإسعاف تركز على ضرورة التدريب والتأهيل المستمر لرفع سوية المسعفين من باب الحرص على سلامة المرضى والمصابين والسعي نحو النتائج الأمثل للعمليات الإسعافية.
المراكز النسائية:
تأسست المراكز النسائية في الدفاع المدني عام 2017 حيث كان الانطلاق بثمانية مراكز، ويوجد حالياً 33 مركزاً نسائياً تتوزع على محافظات حلب وإدلب وريف اللاذقية وريف حماة، وتعمل ضمنها أكثر من 260 متطوعة، ويجري العمل الآن على تطوير عمل المراكز النسائية وتحسين الخدمات التي تقدمها.

وتقوم متطوعات الدفاع المدني بتقديم الإسعافات الأولية: ضماد جروح، حروق، إصابات وغيرها كما تنفذ المتطوعات حملات التوعية في مجال الأمن والسلامة للمدنيين.
كما تقدم المتطوعات عدداً من العمليات الطبية للحالات الباردة كتغيير ضماد الجروح، متابعة وإرشاد للنساء وبشكل خاص الحوامل بحيث يتم توجيههن أو إيصالها للمراكز الطبية المتخصصة.
تقديم فحوصات طبية عامة للأطفال في الحالات الإسعافية وبحيث يتم توجيه أسرهم أو إيصالها إلى المراكز الطبية المختصة في حال الحاجة وتوفر الإمكانية.
كما تقدم المتطوعات عن طريق المراكز دورات تمريض لربات الأسر والنساء ضمن الإمكانيات المتاحة مثل (حملة في كل بيت مسعف).
ثالثاً: برنامج التعافي المبكر
آلاف الذخائر غير المنفجرة من مخلفات قصف النظام وروسيا منتشرة في الأراضي الزراعية وتشكل خطراً كبيراً يهدد سلامة المدنيين، ومع بداية العام 2016 عمل الدفاع المدني على تدريب عدد من متطوعيه على كيفية التعامل مع هذه الذخائر لتقليل خطرها على السكان والمدنيين في أرياف إدلب وحلب وحماة واللاذقية.
ويقول “سامي محمد” مسؤول إزالة الذخائر في الدفاع المدني: “حالياً يبلغ عدد فرق إزالة الذخائر 6 فرق متوزعة على مختلف المناطق شمال غربي سوريا، وتخلصت منذ بداية عملها من أكثر من 23 ألف ذخيرة متنوعة وضمن إمكانيات محدودة جداً وظروف عمل صعبة للغاية في كثير من الأحيان كلفت عدد من الشهداء وبعض الإصابات بين المتطوعين”.

وأضاف محمد: “يوجد أيضاً 4 فرق مسح تعمل على زيارة القرى المنتشرة في الشمال السوري حالياً لتحديد الأماكن الملوثة بالذخائر غير المتفجرة ومن ثم تقوم فرق الإزالة بالتدخل بهذه المناطق وتقوم بعملية التخلص النهائي”.
التوعية:
يعمل الدفاع المدني جاهداً بكل كوادره لتوعية المدنيين من مخاطر الحرائق ومخلفات الحرب والتوعية لأهمية التحذير المبكر وإجراءات الأمن والسلامة، والتوعية من الأمراض والذخائر غير المنفجرة، إضافة للعمل على رفع الوعي المجتمعي وتشجيع الاندماج المجتمعي عن طريق الأنشطة الكشفية والجلسات التوعوية مراعياً بذلك المبادئ العامة لحقوق الإنسان في سبيل الوصول لمجتمع متعافي ينبذ العنف وتتشارك فيه فئات المجتمع كلها الواجبات والحقوق تجاه الإنسان والوطن.
الخدمات العامة:
تهدف أنشطة برنامج الخدمات التي يقوم بها الدفاع المدني إلى تعافي المجتمعات المحلية المتضررة من الحروب والكوارث والعودة التدريجية إلى الحياة الطبيعة من خلال توفير مجموعة من إجراءات البرامج المحددة التي تدعم المتضررين من أجل استعادة حياتهم وإمكانياتهم إلى سابق عهدها.
ويقول “رائد الصالح” مدير الدفاع المدني: إن أنشطة المشاريع الخدمية التي تقوم بها فرقنا تشتمل على البنية التحتية الأساسية والتأهيل وتضم:
1- إدارة النفايات (ترحيل النفايات + تأهيل مكبات …..).
2-أنظمة المرافق العامة (المياه والكهرباء): إعادة تأهيل البنية التحتية للمياه والصرف الصحي
3- فتح الطرق وتأهيل والمدارس والعيادات الطبية والمباني العامة والأسواق (إزالة أنقاض وتنظيف منشآت).
4- مشاريع الاستجابة الشتوية وذلك بتأهيل الطرقات ضمن المخيمات لتسهيل التنقلات وتخفيف الأعباء عن النازحين حتى العودة الآمنة والكريمة لديارهم.
رابعاً: برنامج العدالة والمحاسبة
يمتلك الدفاع المدني الكثير من الأدلة على الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد وروسيا ولاسيما أن متطوعيه هم المستجيبون الأوائل لحالات القصف بمختلف أنواع الأسلحة بما فيها الهجمات التي شنها نظام الأسد بالسلاح الكيماوي ويوثقون تلك العمليات عبر كاميرات مثبتة على خوذهم ولن يتوانى الدفاع المدني السوري، عن تقديم الأدلة والشهادات حول جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد وروسيا حتى تتحقق العدالة ويحاسب المجرمون.
خدمة “الراصد”:
“الراصد” هو نظام تحذير مبكر أطلقه الدفاع المدني في آب 2016 يقوم بإرسال تحذيرات متعلقة بحركة الطيران الحربي في سوريا قبل وقوع الغارات وذلك بهدف إنذار المدنيين وتخفيف أعداد ضحايا القصف الجوي.
يقوم نظام الراصد باستقبال مشاهدات الطيران الحربي من مراصد مدنية موثوقة وتحليلها للتنبؤ بالأماكن التي قد يتم استهدافها وحساب الوقت المقدر لوصول الطيران إليها، ثم ينشر التحذيرات بالطرق المتاحة في أسرع وقت ممكن، عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وعن طريق صفارات الإنذار الموجودة لدى فرقه.
مراكز التدريب والتطوير:

للتدريب والتطوير أهمية كبيرة في تمكين المتطوعين وتعريفهم بأحدث الأساليب الأكاديمية والعملية والارتقاء بمستوى الاستجابة لديهم وبدأت الدورات في مراكز التدريب في عام 2014 وكانت عبارة عن دورات أساسية في البحث والإنقاذ والإطفاء والإسعافات الأولية، ومع تطور القدرات كانت المرحلة التالية بتوحيد وتنسيق عمل مراكز التدريب والشهادات الممنوحة والمناهج التي تقدم في التدريبات، وحالياً هي 3 مراكز تقوم بدورات بحث وإنقاذ وإطفاء متوسطة ومتقدمة وأيضا دورات الإنقاذ المائي، ودورات الأمن والسلامة.
الجوائز والتكريم:
كانت الخدمات والروح البطولية للدفاع المدني محط إعجاب وتقدير في المحافل الدولية ما مكن الدفاع المدني السوري من إيصال صوت السوريين للعالم أجمع.
ويقول “رائد الصالح”: “رشح الدفاع المدني منذ تأسيسه للعديد من الجوائز الدولية وحصل على عشرات الجوائز التي قدمت من قبل العديد من المنظمات والمؤسسات الإنسانية الدولية حول العالم، حيث فاز فيلم الخوذ البيضاء من إنتاج نتفلكس بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي قصير للعام 2017، ورشحت الخوذ البيضاء لأكثر من مرة لجائزة نوبل، ويتجاوز عدد الجوائز التي منحت للدفاع المدني أكثر من 40 جائزة.
التمويل:
تزداد احتياجات أكثر من 4.5 مليون إنسان في شمال غربي سوريا في ظل البنية التحتية المدمرة فيما تفتقد المجتمعات المحلية للحد الأدنى من مقومات الحياة، أكثر من مليون ونصف مليون في المخيمات تتضاعف معاناتهم في فصل الشتاء مع السيول والثلوج وانخفاض درجات الحرارة، وجائحة كورونا وأمراض أخرى تنتشر بينما القطاع الطبي مستنزف جراء سنوات من الحرب وتدمير النظام وروسيا الممنهج للمشافي، التعليم والطرق كل شي يحتاج لجهود كبيرة، وهناك آلاف الذخائر التي لم تنفجر وتحتاج لجهود جبارة لإزالتها، وكذلك الهجمات العسكرية ماتزال مستمرة وبشكل يومي من قبل النظام وروسيا بالرغم من خضوع شمال غربي سوريا لاتفاق لوقف إطلاق النار.
ويقول “رائد الصالح”: إن الكثير من المنظمات والدول تولي أهمية للدور الذي تقوم به الخوذ البيضاء فيما تعتبر الولايات المتحدة الأميركية وكندا وعدد من الدول الأوروبية الداعم الأساسي للمنظمة عبر منح مالية ساهمت بدعم جهودها ومتطوعيها في إنقاذ أرواح السوريين، ولقد قامت المؤسسة بعدة مشاريع عبر المنح، طورت من دورها في إرساء الاستقرار والتعافي المبكر للمجتمعات المحلية المتضررة بسبب الحرب، من بينها تطوير المنظومة الإسعافية وتأهيل الكوادر وإنشاء بنية صحية ساهمت بدعم القطاع الطبي.
استهداف ممنهج:

عمل الخوذ البيضاء جعلها هدافاً بالنسبة لنظام الأسد وروسيا وعرض فرقهم ومراكزهم وعناصرهم لعشرات الغارات والقذائف المباشرة ما أدى إلى دمار لحق العديد من المواقع والمعدات التي يستخدمها الدفاع المدني فضلا عن مقتل وإصابة العديد من العناصر
ويقول “منير المصطفى” نائب رئيس الدفاع المدني: إن المنظمة فقدت 296 متطوعاً منذ عام 2013 أكثر من نصفهم كانوا ضحايا الغارات الجوية المزدوجة، فيما جرح نحو 900 متطوع، حيث ترجع الطائرات الحربية إلى موقع الهجوم من أجل قصف المتطوعين الذين هرعوا إلى مكان الحادث لإنقاذ المدنيين، كما تعرضت مراكز الدفاع عبر السنوات لاستهداف ممنهج أدى إلى خروج العديد منها عن الخدمة.
حرب إعلامية ومحاولة تشويه:
الخوذ البيضاء بتركيبتها التي تمثل كل أطياف السوريين وهي موجودة فعلاً على الأرض ومتطوعيها من كل المشارب والتوجهات فضلا عن دورها في توثيق انتهاكات النظام وروسيا من جهة وكونها المؤسسة الأولى التي أثبتت مقدرة المجتمع السوري على تنظيم وإدارة نفسه كبديل عن النظام جعلها هدفا ليس للاستهداف المباشر بل لحرب إعلامية سعت إلى تشويه سمعتها أمام المحافل الدولية.
ويقول “رائد الصالح”: “شن النظام ومن خلفه روسيا حربا إعلامية قوية على الخوذ البيضاء انطلاقا من كونها مؤسسة تحمل هوية وطنية استطاعت أن تمثل تياراً قادر على رأب الصدع الأفقي والعمودي في المجتمع السوري وموجودة على الأرض وبعيدة عن الأدلجة وأعطت مثالاً قوياً لمؤسسة استطاعت أن توجد بديلاً حقيقيا عن مؤسسات النظام واستشعر النظام ومن خلفه روسيا هذا الأمر مبكراً ودفعهم ذلك لشن حرب إعلامية واسعة مازالت مستمرة حتى الآن”.
ويضيف الصالح: ” حرب النظام وروسيا الإعلامية ضد الخوذ البيضاء تبلورت بشكل واضح مع تبلور دورها في نهاية عام 2014 وتوسع أعمالها وانتشارها بأغلب المناطق السورية ولم تتوقف بروبغاندا النظام وروسيا منذ ذلك الحين عن نشر الادعاءات الكاذبة عن عمل الخوذ البيضاء، ومحاولة تشويه صورتها وذلك بهدف قطع الطريق أمام وصول الوثائق التي تملكها المنظمة إلى المحافل الدولية لما فيها من إدانة واضحة لانتهاكات النظام وروسيا بحق السوريين.

وأشار “الصالح” إلى أن روسية والنظام كثفوا من نشر اتهام للخوذ البيضاء بالتحضير لهجمات كيماوية على المناطق الواقعة تحت سيطرة لكنها ظلت اتهامات لا تملك أي وجه من الصحة وليس عليها أي دليل يمكن أن يدين الخوذ البيضاء كما أنها لم تؤثر في مصداقية المنظمة أمام المجتمع الدولي واستطاعت أن تكون مصدراً موثوقاً ومؤكدا للأمم المتحدة ولمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ولمنظمات حقوقية ودولية أخرى في توثيق الانتهاكات الواقعة في سوريا.
أدلة ووثائق:
تمتلك الخوذ البيضاء قاعدة شعبية واسعة بين السوريين أولا من خلال دورها الفاعل في تقديم المساعدة والخدمات في معظم المجالات إضافة لمقدرتها على إيصال صوت السوريين وتوثيق الانتهاكات التي وقعت بحقهم ونقلها إلى المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية.
ويقول “رائد الصالح” مدير الدفاع المدني: وثقت فرق الدفاع المدني آلاف الانتهاكات التي طالت السوريين خلال السنوات الماضية واعتبرت الأدلة والتوثيقات التي قدمتها حول استخدام الأسلحة الكيماوية أدلة معتمدة في إدانة نظام الأسد ولم يتمكن على الرغم من الدعم الروسي الكامل من دحضها أو نفيها.
كما تمكنت فرق الدفاع المدني من توثيق مقتل وجرح أكثر من 12 ألف مدني بسبب الهجمات الروسية منذ تدخلها في سوريا عام 2015 حتى عام 2021 وهي كذلك أدلة ثابت لا يمكن نقضها أو دحضها وقد تم تقديمها إلى المنظمات الحقوقية والدولية.
الحلم:
ورغم الأهمية الكبيرة لمنظمة الدفاع المدني وما تؤديه من دور بارز وقت الحرب فإنها استطاعت أن تقطع شوطا طويلا في الجانب الخدمي الذي ساهم في الأمن والاستقرار لمناطق الشمال السوري
ويقول “رائد الصالح” مدير الدفاع المدني: إن الاستجابة ومساعدة المدنيين مهمة أساسية للخوذ البيضاء لكن هناك هدف أكبر نسعى إلى تحقيقه وذلك من خلال الدور الأساسي الذي نتطلع إليه في إعادة بناء سوريا فالدمار الذي لحق البلد يحتاج إلى جهود كبيرة وربما فترة زمنية تتجاوز مدة الحرب بأضعاف حتى نصل إلى مرحلة التعافي الكامل

ويشير الصالح إلى أن متطوعو المنظمة باتوا يمتلكون خبرة كبيرة تؤهلهم للقيام بالدور الأمثل من أجل إعادة بناء البلد في جميع الجوانب الخدمية وفي مكافحة كل المظاهر التي يمكن أن تتسبب في خطر على حياة المدنيين فضلا عن الخبرة في إعادة تأهيل الكوادر المجتمعية على الجانب الاجتماعي وتمكين المرأة للوصول إلى الغاية والهدف الذي سعى السوريون من أجل وما زالت جهودهم مستمرة للوصول إلى واقع مستقر وحياة حرة وكريمة