وضحة عثمان
“عندما تحدث مشكلة بيني وبين والدي بسبب عدم فهمه لموقفي جيداً، أذهب إلى جدتي فهي الوحيدة القادرة على إقناعه وشرح ما أفكر به”، يقول أحمد وهو فتى سوري يبلغ من العمر 12 عاماً، شارحاً قيمة وجود أجداده في حياته.
كثيرون رأيهم مثل رأي أحمد يجدون ضآلتهم عن الجد أو الجدة وليس والديهم المباشرين، فالأجداد عنصر مهم في الحياة وفي حياة الأطفال على وجه الخصوص، لأنهم الملجأ والمرجع للطفل أو الحفيد حين تضيق به الحياة وتغلق الطرق والملاذات الآمنة في حياته.
ووجود الأجداد يساعد الطفل على الحفاظ على نوع من الاستقرار النفسي، فبحسب الكاتب في أدب الطفل “مصطفى عبد الفتاح” فإن وجود الأجداد والجدات يلعب دوراً كبيراً في حياة الأحفاد، فهم يتولون الدور العاطفي المحبب، كونهم يتعاملون مع جيل صغير ويحاولون تجنب الأخطاء التي ارتكبوها بحق أبنائهم.
ويضيف السيد “أديب” في حديثه لموقع هيومن نيوز: “لذلك نجد أن الأجداد والجدات يفيضون محبة على أحفادهم، ويعتبرون أن أخطاءهم مغفورة حتى قبل وقوعها، ووجود هذه العلاقة يصنع نوعاً من التوازن الاجتماعي الذي لا بد منه لموازنة ضغط التربية التي يمارسها الآباء، لذلك ليس من الغرابة أن نجد تعلق الأحفاد بأجدادهم أكثر من تعلقهم بوالديهم”.
وللوقوف أكثر على تفاصيل الموضوع وبغية شرح وجهات النظر المختلفة كانت لنا حوارات مع مجموعة سيدات حيث تقول السيدة “حياة الباشا”: إنه لكل منا تجارب قد يستفيد منها الآخرون إن رُويَت، فعلى الصعيد الشخصي وقبل زواجي رزقنا الله بأولاد أخي وكانت زوجة أخي تقطن معنا أنا العمة كما توجد الجدة في ذات المنزل، وأنجبت بيننا أولادها خلال السبع سنين، وكان للحفيد الأول (علي) في العائلة مكانة كبيرة جداً وتعلقنا به تعلقا شديداً، أوليناه اهتماماً وعناية خاصة.
فلم يكن للأم إلا دور قليل في تربيته ووقع ذلك على عاتقنا، وحتى بعدما سافر أخي وعائلته لبلدة أخرى بحكم انتقال عمله بقي الحفيد الأكبر معنا، واستمر بالحياة معي بعدما تزوجت وانتقلت لبيت زوجي، وبقي في بيتي لمدة ستة أشهر تقريباً، لذلك نشأ بشخصية متوازنة أكثر، في الوقت الذي بقي أولاد أخوتي الآخرين، والذين نشأوا بعيداً عن بيت العائلة الكبير يفتقدون للكثير مما حظي به علي وأخوته الذين عادوا لكنف العائلة بعد وفاة والدهم (اخي) وهم صغار.
وتضيف السيدة “حياة”، ذات الأمر لاحظته مع أولاد أخوتي الآخرين الذين نشأوا بعيداً عن عائلتنا، لكن أحاطت بهم عائلة والدتهم فاكتسبوا منهم المزيد من الخبرات والنضوج، كذلك بعد زواجي شهدت تجربة أولاد زوجي وأولاد أعمامهم، حيث نشأ أولاد أعمامهم في كنف العائلة الكبيرة والأجداد والأعمام، فاكتسبوا الكثير من الآداب والسلوكيات المتزنة، بينما بقي أولاد زوجي اللذين عزلتهم والدتهم بعيدين عن العرف الاجتماعي وتغذى لديهم إحساس العزلة والابتعاد عن العائلة.
في حين ترى السيدة “فادية حريري” أن قرب الجدة من الأحفاد وقدرتها على الاقتراب الفكري منهم كالعب معهم وخوض النقاشات والحكايات يجعلها قادرة على تمرير الأفكار لهم وتوجيههم بسهولة بعيداً عن الضغط النفسي، وقد يستسيغ تنفيذ بعض الأوامر مع الجدة التي لا يستسيغها من والديه لأنه يعتبرها أقرب للصداقة منها الى الفرض، ومن الجيد أن تكون الجدة مبادرة مع حفيدها بالفعل، كأن تتصل للاطمئنان عليه وأن تبادره بالاحترام في الحديث مما يجعل منها قدوة له دون إيعاز مباشر بالتوجيهات.
أما السيدة بثينة رحال فحدثتنا قائلة: الموضوع جدير بالمناقشة وله بعدين:
– الأول من الممكن أن يكون وجود الجد والجدة بحياة الأحفاد عامل قوة ورابط اجتماعي يدفع حياتهم الى الاستقرار، إذا كان وجودهم متوازن ولا يلغي وجود الأب والأم.
-البعد الثاني، يكون وجود الجد والجدة فيه عامل سلبي وخاصة إذا زاد دلال الجدين للأحفاد، وطمسوا شخصية الأبوين وشجعوا الولد على التمرد على أوامر الأبويين.
وهذا نلمسه كثيراً لدى الحفيد الأول كونه يكون حقل تجارب العائلة الحديد، وبالتالي يكون ضحية لحب مدمر ويتمرد على قرارات الأبوين.
بينما السيدة “هنادي العفاسي” ترى أن دور الأجداد الإيجابي في حياة الأحفاد أكبر بكثير من الدور السلبي، فالدور الذي تلعبه الجدة، وخاصة بالظروف الحالية التي نعيشها، مهم جداً فقد أضحت الجدات صلة الوصل بين الحاضر والمستقبل، وأولادنا فقدوا الكثير من المشاعر التي لا يمكن أن تعوض إلا عن طريق حنان وعطف الجدة.
وبين من يعتقد بسلبية وجود الأجداد في حياة الأطفال والأسر على حد سواء، وبين من يتحسر على ذلك ويراها من الأشياء الأساسية في حياة الطفل سيما في بلدان المهجر، يبدو أن وجود الأجداد في حياة الأسرة بات عاملاً مهماً في تقوية أواصر المحبة والارتباط بين الأولاد ومحيطهم، وكذلك سبباً في الحفاظ على هويتنا الثقافية، ولعل أصدق وصف يحضرنا لعلاقة الأجداد والأحفاد قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي:
لي جَدَّةٌ تَرأَفُ بي
أَحنى عَلَيَّ مِن أَبي
وَكُلُّ شَيءٍ سَرَّني
تَذهَبُ فيهِ مَذهَبي
إن غَضِبَ الأَهلُ عَلَـ
ـيَ كُلُّهُم لَم تَغضَبِ
مَشى أَبي يَوماً إِلَـ
ـيَ مِشيَةَ المُؤَدِّبِ
غَضبانَ قَد هَدَّدَ بِالضَر
بِ وَإِن لَم يَضرِبِ
فَلَم أَجِد لِيَ مِنهُ غَيـ
ـرَ جَدَّتي مِن مَهرَبِ
فَجَعَلتني خَلفَها
أَنجو بِها وأَختَبي
وَهيَ تَقولُ لِأَبي
بِلَهجَةِ المُؤَنِّبِ
وَيحٌ لَهُ وَيحٌ لِهَـ
ـذا الوَلدِ المُعَذَّبِ
أَلَم تَكُن تَصنَعُ ما
يَصنَعُ إِذا أَنتَ صَبي