تجلس أمام منزلها تشارك الجيران أحاديثهم منتظرةً قدوم أحد أحفادها بوجبة الإفطار التي اعتادت على تناولها في الصباح الباكر، تغازلهم بكلماتها الرقيقة مع بعض الحلوى التي اعتادوا أن تقدمها لهم، وحتى المارة في الحي الذي تسكن فيه يجالسونها ويتحدثون إليها كأنها جدتهم لأن غالبيتهم ولدوا على يدها، بل إنهم ينادونها “ستي أم قاسم”، حتى ذاع صيتها في أرجاء قريتها سرجة بريف إدلب الجنوبي والقرى المجاورة لها.
“الداية أم قاسم” أمينة يحيى حاج موسى تعلمت القبالة من قابلة قانونية بمنطقة جسر الشغور، وتدربت على يديها حتى حصلت على “الكارينية” شهادة خبرة ومزاولة مهنة القبالة، وحصلت حينها على حقيبة طبية احتوت الأدوات التي تستخدمها الداية.
وتقول “أم قاسم” لموقع هيومن نيوز: كانت البداية عندما قمت بتوليد زوجة ابني فما زلت أذكر ذلك جيداً، ثم بعد ذلك بدأت مرحلة جديدة وتحولت إلى قابلة ولدت معظم نساء أقاربي ومن ثم نساء القرية والكثير من نساء القرى المجاورة، حيث كانت المراكز الطبية شبه معدومة في منطقتنا، وكان يقع على القابلة كل أعمال الطبابة للنساء منذ بداية الحمل وحتى الولادة.
وتضيف “أم قاسم”: كنت في حالة استعداد دائم فمعظم الولادات تكون في الليل، وكلما كنت على موعد مع ولادة جديدة متنقلة بين منازل القرية، يكون على عاتقي القيام بجميع الأعمال بدءاً من معاينة المرأة وفحصها ومتابعة حالتها حتى تضع المولود، وكثيرا من الأحيان كنت أتنقل بين منزلين أو ثلاثة في حال تزامنت ولادتين أو أكثر في الوقت ذاته، وكنت استمر في مراقبة المرأة بعد ولادتها لمدة أسبوع حتى يستقر حالها واطمأن عليها بشكل جيد.
وفضلاً عن مهنة القابلة تعلمت أم قاسم خلال سنوات عملها الطويلة تقيدم بعض الخدمات الطبية الأخرى ولا سيما المتعلقة بالأطفال حديثي الولادة، وتقول: أيضاً أقوم بعلاج الأطفال عضوياً خاصةً الطفل الذي يتعرض لضيق تنفس، فأقوم بعمل “التنفيحة” له لمساعدته على التنفس، كما أعالج “المزق” أو “المتن” الذي يصيب أضلاع الأطفال أثناء الوالدة.
وعن الأجر الذي تتقاضاه “أم قاسم” تقول: لم يكن الأجر الذي أتقاضاه ثابتاً فغالباً ما كان يرتبط بحالة العائلة من جهة وبالظروف الاقتصادية التي تمر بها القرية من جهة أخرى، وكثير من العوائل الفقيرة كنت لا آخذ منهم أجراً، بل وصل الحال بي مع بعض العوائل شديدة الفقر لإعطائهم ما أمكن من الاحتياجات اللازمة في عملية الولادة.

وتتذكر “أم قاسم” أنها في عام 1980 حيث كان عام فقر وقحط، ولّدت امرأة وبعد الانتهاء من عملية الولادة طلبت ثوباً وقماشاً لتلف به المولود فلم تجد حينها ما تلفه به لدى العائلة، ولا يوجد في المنزل إلا أطفالاً صغاراً يتضورون جوعاً فما كان منها إلا أن ذهبت إلى بيتها وأعدّت بعض اللباس والمواد الغذائية المتوفرة وعادت بها.
تقدم “أم قاسم” بالعمر لم يحل بينها وبين عملها، وتقول إنها أجرت آخر عملية ولادة قبل ثلاثة أشهر رغم أن عمرها تجاوز 86 عاماً، لكنها وجدت نفسها مضطرة حيث طلبتها عائلة في قريتها “سرجة” التي لا يوجد فيها نقطة طبية بسبب وقوعها على خطوط التماس مع قوات النظام، وكان لا بد لها أن تذهب فقد تكون المرأة بحالة خطرة، وبالفعل تمكنت من إنجاز عملية الولادة بالوجه الأكمل من خلالها خبرتها الكافية وحبها لمهنتها التي عملت فيها لأكثر من خسين عاماً.
ويقول “يوسف مجلاوي” أحد أبناء قرية سرجة، أن القرية كلها تعرف “أم قاسم” وأنها ولدت له جميع أبناءه، فهي جدة لمعظم الأطفال الذين ولدوا خلال سنوات طويلة، عندما لم تكن الخدمات الطبية متوفرة في المنطقة، فكانت الملاذ الوحيد للنساء وظل الناس يقصدونها دائما حتى بعد توفر المراكز الطبية بسبب حبهم لها وثقتهم بها، ولأنها كانت تراعي وضع العوائل الفقيرة ولا تحرجهم بطلب الأجرة منهم، حتى لو استمرت في متابعة بعض حالات الولادة لأكثر من عشرة أيام.
ستي الله يحميها
جدتي اسأل الله ان يحظكي لنا و إن يطيل في عمركي
جارة الرضا
البسك الله ثوب الصحة والعافية وجزاكي الله خيراً
حفظك الله خالتي ام قاسم وبارك الله بجهودك لخدمة اهلنا في القرية
الله يحفظها هاي ست أهل سرجة ونصف بزابور ويطيل بعمرها وتلبيس الصحة والعافية